الثلاثاء، 1 أبريل 2008

أشعلوا شموعكم والعنوا الظلام

أَعْلَمَ أن ابني منير يخاف الظلام، وكان هذا الأمر يضايقني. فأنا -وككل أب- أريد ان ارى ابني الذي هو على أعتاب سن المراهقة شجاعاً جسوراً قادراً على الاستمتاع بالحياة وامتاع الحياة به. أليس طبيعياً أن نحب ابناءنا حتى أكثر من أنفسنا؟ وبحق، وليس فقط لأنه إبني، فهذا فتى يستحق الحياة وتستحقه الحياة؛ تماماً مثله مثل كل فتى وفتاة في مثل عمره وكل انسان من كل عمر وفي كل مكان وزمان.

أما عن ما كان يضايقني من ابني عندما يعبر عن خوفه من الظلام فيقول: "بابا: أنا خائف من العتمة" فهو ان الأمر لم يكن يبدو منطقياً! فأحاول أن أناقشه وأبين له بانه لا يوجد ما يخشاه، بدليل انه لو أضاء المكان لوجد انه ما من شيء هناك! وبعد تفكير طويل في الأمر توصلت إلى ان هذا بالفعل هو ما يخيفه: اللاشيء! نعم، اللاشيء مخيف بالفعل. وللتغلب على اللاشيء وعلى الخوف من هذا اللاشيء فلا نحتاج إلا إلى بعض النور لنكتشف ماهية هذا اللاشيء! منطق إليس كذلك؟


بشكل أو بآخر، فكلنا نخشى المجهول، أليس كذلك؟ نخشى الموت لأننا لم نجربه من قبل، ومن جربه فليس بامكانه ان ينقل لنا تجربته. ولهذا، فاننا نخشاه لتمام جهلنا به كتجربة. وعندما يأتينا نذير بشير من المجهول، فالأمر لا يحتاج إلى الكثير من الإقناع فنحن بخوفنا من المجهول نكون جاهزين للقبول وليس عليه سوى التمني ولا يُتَوَقَعُ منا سوى القبول والتصديق والاستسلام. إليست هذه الأوامر والنواهي والتعليمات من المجهول الذي نخشاه باخلاص؟ وللحقيقة، فنحن معذورون: السنا عبيداًَ بالفطرة للخوف من المجهول؟ والأسواء هو ان هذا الخوف الفطري نمى وترعرع فينا كأفراد وجماعات عبر تاريخنا البشري -البائس في أغلبه- فربى فينا هذا الخوف والاستسلام كأشخاص ومجتمعات على حد سواء ورسخ هذا الخوف في تركيبتينا النفسية والاجتماعية.


لتقريب الفكرة: تخيل انك انسان عادي وانني اعرض عليك ان تتناول طعاماً لم تصادفه من قبل في حياتك وارفض حتى ان اسمح لك برؤيته او شمه او لمسه او ادراكه باي من حواسك. ماذا سيكون ردك؟ طبعاً الرفض بناءً على جهلك (عدم معرفتك) بما تم عرضه عليك مما يخيفك منه. أي انك ببساطة خائف من المجهول! الآن، تخيل انني أريتك الطبق فاعجبك شكله ثم سمحت لك بشم الطعام فأجرت الرائحة لعابك ثم سمحت لك بتذوق قطعة صغيرة جداً فوجد الطعم ألذ من أن يقاوم. ماذا ستفعل؟ هل ستأكل أم لا؟ كذلك، فتخيل العكس تماما وبانك وجدت الشكل مقرفاً والرائحة منفرة والطعم لا يطاق. هل ستأكل؟ طبعاً لا. في كلا الحالتين ستكون قد تصرفت بناء على علم وليس على بناء على خوف من المجهول ليس إلا. يعني باختصار: العلم مفتاح الفرج وحقيقي انه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون!


كل ما كان ابني يحتاجه للتغلب على خوفه من الظلام هو القليل من النور لتبين ان اللاشيء هو فعلاً لا شيء وأنه لا يخيف. أما ان خبى النور او انطفأ، فسيعود اللاشيء ليصبح شيئاً مخيفاً! ورغم ان هذا مخالف لقوانين الطببيعة حيث لا تفنى المادة ولا تستحدث، فان هذا ليس مخالفاً لطبيعة البشر حيث يمكن للاشيء ان يصبح شيئاً. أليس أمره ان أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون؟ وطز في الفيزياء وفي كل العلوم!


المشكلة ليست مشكلة شخصية. المشكلة مشكلة أجيال وأجيال وبلاد وبلاد من الخائفين من الظلام والذين لم يجرأوا لا على اشعال شمعة ولا حتى على لعن العتمة! يا لها من مصيبة. أشعلوا شموعكم والعنوا الظلام وتخلصوا من الخوف من العتمة ومن اللاشيء الذي يسكنها ويعشعش في خباياها. وان لم تفعلوا ولن تفعلوا، فاعبدوا الله مخلصين له الدين لأنكم لا تستحقون أكثر من هذا.

ملاحظة ختامية لا بد منها: العتمة فعلاً مخيفة وهناك "لا أشياء" أكثر تخويفاً تسكن في الظلام. الليلة حققت النظر في الظالم فوجد فيه تنيناً مخيفاً مختبئاً بين ثنايا الظلمة، ومن لا يصدق فبامكانه تجربة هذا في أي ليلة من خلال اطفاء النور لرؤية التنانين التي تسكن العتمة. وأنا والمدونة غير مسئولين عن ما ستفعله هذه الوحوش بكم. كذلك، فنحن غير مسئولين عما سيلحق بهذه الوحوش ان اتبعتم النصيحة وأضأتم شمعة. تنانينا غير مضمونة ولا نكفلها بفلس أو هللة. كذلك، فالبضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل وتخضع لأحكام حد الردة.

هناك 4 تعليقات:

J Daily يقول...

اشعل شمعة والعن الظلام
مثل غير حياتي بمعنى الكلمة
(:

Samir Saad يقول...

الإنسان عدو ما يجهل. وهناك من البشر من يصارع لكشف المجهول وهم قلة بينما يدفن اكثرهم رأسه في الرمال.
الظلام ليس شيئا قائما بذاته، وانما هو الحالة الناتجة عن غياب النور. لذا تزداد حاجة عالمنا الى النور وإلى كل من هو قادر على اشعال الشموع.

تحياتي

silhouette يقول...

عزيزي

حسب علمي فإن المثل الصيني يقول "بدلاً من أن تلعن الظلام، أشعل شمعة"

تحياتي

Mesbah يقول...

silhouette

ربما هذا يكفي في الصين. أما لدينا، فيجب ان نشعل كل شموع الكون ونلعن أبو أم العتمة على ام أبوها.

تحياتي