الجمعة، 14 مارس 2008

أرجوكم... لا تَشُخو في لباساتكم...

منذ فترة، قرأت مثلاً طريفاً يقول: "نِكايَة في الطَهارَة، شَخِّيت في لباسي"! وبين الحين والآخر، يخطر هذا المثل على بالي وأنا أطالع بلوغات بدأت في عشقها وادمانها، أو استمع أو أقرأ لأشخاص أحترم رأيهم كثيرأ، وأحترم شجاعتهم أكثر، بل أحسدهم عليها مثل وفاء سلطان على وجه الخصوص. وأرجو ان تمهلوني لأُفَسِّر ما أعني.

الانفلات من الدين يجب أن يكون من كل الأديان، وكل الأديان بالفعل، والا فأين العقل؟ فكما انه لا يوجد كذب أبيض وكذب أسود، فإنه لا يوجد دين كحلي منيل بنيلة ودين أصفر فاقع لونه يسر الناظرين. وحيث ان معظم من فرّوا من الدين من العرب كانوا محسوبين على الاسلام، فانهم في انقلابهم اصبحوا يعادون هذا الدين. لا يا أصدقاء. الدين والجهل والخزعبلات والتشدد وعدم التسامح والخرافات هي أعداؤنا. ولكننا بالمقابل لا نعادي أحداَ، لا الإسلام ولا غيره. هل عادى غاندي والشعب الهندي الإنجليز؟ الجواب باختصار هو لا، على الرغم من عداوة الامبراطورية البريطانية الشرسة لغاندي والهند. أرجو أن لا أكون قد عَقَّدت الموضوع وأسأت اليه بهذا التعقيد. فرغم ان المسلمين ينظرون للعلمانيين على انهم أعداء مرتدين يستتابوا فقط لتحليل اما قتلهم او الاستمراء في استضراطهم واستعبادهم تحت راية الاسلام التي تصلح لكل مكان وزمان، فليس للعلماني الحقيقي عدو. ولو كان لنا قرءاناً لوجدنا فيه: فليستعمل عقله من اراد، ومن لم يُرِد فالله لا يعوض عليه ولا على أهله! وبالطبع، لن يكون في هذا القرءان شيء مثل: من لم يستعمل عقله فمأواه المسجد وبئس المصير. باختصار: أنا حر، وانت حر، وهي وهو وهم وهن أحرار ولنا جميعاً مطلق الخيار.

والآن، ان عدنا لموضوع معاداة الاسلام من قبل من كانوا محسوبين أو مفترضين من ضمن المسلمين، فاننا نلاحظ ان البعض يبالغ في عدائه للإسلام لدرجة إتباع مبدأ "عَدُوّ عَدُوّي صديقي"! وعليه، فإسرائيل واليهودية والصهيونية والمسيحية الأصولية وما شابه يصبح لبعض العلمانيين صديق، وهذا فعلاً أمر غريب! فإسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية هما الدولتان الوحيدتان في العالم التي تم تأسيسهما على أساس ديني بحت - وأنا هنا استثني الفاتيكان من تعريف الدول. ولهذا، فمن الغريب ان نرى العلماني يؤيد ما تفعله اسرائيل في غزة مثلاً من منطلق ان حماس تحكم الاخيرة. يا سادة: الطفل القتيل هو ضحية لمن قَتَلَهُ وليس لمن كان السبب وراء اعتداء من قتله. هل هذا المنطق صعب؟

بعد عدة سنوات من الحياة في الغرب لم استطع خلالها الخروج من جلدي الـتراثي (وانا هنا اتعمد عدم استخدام كلمة الثقافي)، فقد لاحظت مؤخرا ما قد يكون ربما الفارق الأكبر بين فلسفتهم القانونية وما نحسبه نحن فلسفتنا القانونية، وهو باختصار ان القوانين في الغرب (المتحضر ولو اعترض المعترضون) تنظر للعقاب كفرصة للاصلاح وتجنيب المجتمع مصائب الجاني، وليس فرصة للانتقام والأخذ بالثأر والقصاص وجعله عبرة لمن يعتبر. فأن يدفع الجاني ثمن جريمته حقيقة لا يوفر للمجني عليه اي نوع من التعويض. فماذا سأستفيد من قطع يد النشالة التي لطشت تلفوني المحمول منذ سنوات؟ وماذا سيستفيد من قُتُلَ عزيز عليه من قتل القاتل؟ وأعتقد بأن هناك الكثرين الذين سيتفقون معي في الرأي. فإن كان هذا هو الحال، فما الذي استفادته اسرائيل من دك لبنان على رأس أهله كلما داعب النسيم الأغصان؟ وما الذي استفادته من قتل الأطفال في غزة مؤخراً رداً على إطلاق الصواريخ عليها؟ فلا الصواريخ توقفت، ولا عاد الاسرائيلي الذي قتله أحد الصواريخ الغزاوية للحياة. هذا في رأي مجرد انتقام واستعمال غاشم للقوة. وصحيح، اللي ما قدر على الحمار قدر على البردعة!

هل يوجد عاقل في الدنيا بامكانه تبرير الانتقام والثأر،
خاصة ان كان من طرف ثالث
وعلى الأخص ان كان هذا الطرف الثالث طفلاَ؟

مثل أخر غريب يتعلق بالهجوم الذي قام به فلسطيني مؤخراً على مدرسة دينية يهودية في القدس. فقد ندد البعض بالعملية من منطلق علماني بحت حسب ما يعتقدون! حسناً، وقبل ان استمر، فارجو ان تلاحظوا انني ارى في القتل والاعتداءات الجسدية جريمة لا مبرر لها مهما كان، سواء عقلياً أم إلهياً. وهذا ينطبق على هذا الحادث وكل حادث. ولكن، ألا تعرفون ماذا يفعل هؤلاء الطلاب والمدرسين و"الباحثين" في هذه المؤسسات التي تُسمى مدارس دينية في اسرائيل؟ إنهم يتعلمون انهم شعب الله المختار وان فلسطين او اسرائيل هي أرض الميعاد! وهؤلاء يقاتلون في سبيل دينهم، فيَقتلون ويُقتلون! مثل جماعتنا اياهم تماماً. وهم أيضا على حق والآخر على باطل! أيضاً مثل جماعتنا تماماً. وان فكرنا في ان هؤلاء طلاب يُلقنون المفاهيم الإلهية العنصرية ويتدربون على اصدار الفتاوي، أفلا يكون هؤلاء طالبان إسرائيل كما أن هناك طالبان أفغانستان؟ ألم يَقْتُل أحد هؤلاء الطلاب رئيس وزراء اسرائيل رابين بناءً على فتوى دينة؟ يعني اليهود والمسلمين شغالين بنظام الفتاوي ولدى كل منهما طالبان الخاص به. فما الفرق بينهما؟

.
وتفيد آخر الأخبار المتعلقة بهذا الحادث أن اسرائيل تدرس هدم بيت منفذ العملية. يعني باختصار سيعاقبون الميت! وهذه غباوة... ولكن الأدهى انهم سيعاقبون أهل بيته انتقاماً. يا جماعة، هذا الشخص الآن سارح مع الحور العين ولا يفكر في بيت ولا أهل ولا بطيخ. لماذا هذه الحماقة؟ لماذا لم يهدموا بيت قاتل رابين؟ الجواب، لأنه يهودي ولان أهله يهود له ولهم حقوق (عنصرية) حتى ولو أجرم ابنهم.

في الحقيقة فان اليهود والمسلمين يتفقون في الكثير من الأمور، ولكن لا يتفقون علي شيء. حلوة دي؟ يعني، الاسلام الذي ما هو الا مسخ من اليهودية الممسوخة اصلا من بيت أهلها ارهابي. واليهودية كذلك إرهابية. وعلى رأي المثل المصري: "لا تعاتبني ولا أعاتبك، الهم طايلني وطايلك".


صحيح، شهاب الدين اضرط من أخيه، ولكن كلا الأخوين مضراط!
(مع الإعتذار على تشويه بيت الشعر)

والأن، عودة لوفاء سلطان التي بلغ عداءها للاسلام (معذورةً) حداً أبعدها أحيانا عن الحياد. فهي تدافع عن اسرائيل فتتساءل: هل رأيتم يهودياً فجر نفسه في الألمان؟ وانا أجاوب، لا، ولكن ربما يكون هذا قد حدث أو لم يحدث، وليس هذا هو المهم. المهم هو: إن لم تكوني قد رأيت كيف فُعِلَ ربُّكِ باصحاب الفيل، ألم ترين ماذا فعل شعب الله المُختار بشعب الله المُحتار؟



وعندما أفكر في الأمر أقول: ربما ترى وفاء سلطان قوة عدوها (الإسلام) غاشمة لا طاقة لها بها، فتريد أن تحشد له ما استطاعت من عدة ورباط الخيل، حتى ولو بلغ الأمر حد التحالف مع الشيطان؟ أم هل هي يا ترى محاولة للعلاج بالتي كانت هي الداء؟ أي الدين بالدين والبادئ أظلم. وهذا يذكرني بمثل آخر حول حلّ المشاكل عن طريق "ضرب العرص بالعرص"!

كلنا قد رأى عمليات تفجير الذات والآخرين التي قَّلت هذه الأيام عما كانت عليه في السابق. ألا ترون الربط بين هذا وبين العقيدة اليهودية التي تتمثل في قول شمشون الجبار: "عليَّ وعلى أعدائي يا رب"؟ وهنا يبدو اننا ربما لم نلاحط سهواً أو عمداً كيف قام طبيب يهودي "طالباني" اسمه باروخ غولدشتاين بمباغتة وقتل العشرات من المصلين المسلمين العزل في الخليل، مستغلاً السيطرة الاسرائيلة العسكرية على المكان. يا ريته كان فجر نفسه في الألمان بدل هذه العملة السوداء!

هل يوجد عاقل في العالم بامكانه تبرير هذه الجريمة؟
.
الديانتان الإبراهيميتان اليهودية والاسلامية ديانتان دمويتان عنصريتان ارهابيتان تشتركان في الكثير: بدءاً بجريمة ختان المواليد الذكور وانتهاءً بالجرائم الكبرى ضد البشرية. ولهذا، فليس من المعقول تأييد اسرائيل وتخطيء المسلمين على طول الخط، فقط لمشاعرنا العميقة تجاه الدين الاسلامي. عندها، نكون كمن شخ في لباسه فقط نكاية في الطهارة. مش كده ولا إيه؟

هناك 3 تعليقات:

silhouette يقول...

عجبني مقالك وربطه بالمثل بذكاء


تحياتي

rai يقول...

مدونة رائعة
اسجل اعجابي ومتابعتي لها

نعم العلمانية لاتعني ان عدو عدوي صديقي

قضمات صغيره يقول...

كتاباتك ممتعه ساتابعك

و اتفق معك انني اجد وفاء السلطان متحامله على الاسلام بطريقه تعصبيه .. اغلب من ترك الدين الاسلامي بصفه عامه يتحامل على الاسلام ولا ينظر للامور بنظره حياديه ..

تحياتي